(يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ) (الرحمن: 33)
هذه الآية الكريمة جاءت قرب نهاية النصف الأول من سورة الرحمن, التي سميت بتوقيف من الله (تعالي) بهذا الاسم الكريم لاستهلالها باسم الله الرحمن, ولما تضمنته من لمسات رحمته, وعظيم آلائه التي أولها تعليم القرآن, ثم خلق الإنسان وتعليمه البيان.
الدلالة اللغوية:
1. (نفذ): يقال في العربية: (نفذ) السهم في الرمية (نفوذا) و(نفاذا), والمثقب في الخشب إذا خرق إلي الجهة الأخرى, و(نفذ) فلان في الأمر (ينفذ) (نفاذا), و(أنفذه) (نفاذا), و(نفذه) (تنفيذا), وفي الحديث الشريف: نفذوا جيش أسامة; والأمر (النافذ) أي المطاع, و(المنفذ) هو الممر (النافذ), قال ـ تعالي ـ: إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) بمعني أن تخرقوا السماوات والأرض من جهة أقطارها إلي الجهة الأخرى.
2. (أقطار): قطر كل شكل وكل جسم الخط الواصل من أحد أطرافه إلي الطرف المقابل مرورا بمركزه. قال (تعالي): إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض وقال (عز من قائل): (ولو دخلت عليهم من أقطارها) (الأحزاب: 14)؛ ويقال في اللغة: (قطرته) بمعني ألقيته علي (قطره), و(تقطر) أي وقع علي (قطره), ومنه (قطر) المطر أي سقط في خطوط مستقيمة باتجاه مركز الأرض, ويسمي لذلك (قطرا), وهو كذلك جمع (قطرة), و(قطر) و(تقطير) الشيء تبخيره ثم تكثيفه قطرة قطرة من أجل تنقية الماء وغيره من السوائل تساقطه (قطرة) (قطرة) وجمعه (قطر) بضمتين و(قطرات) بضمتين أيضا, و(قطره) غيره يتعدي ويلزم, و(تقاطر) القوم جاءوا أرسالا (كالقطر), ومنه (قطار الإبل) و(القطر) بالضم الناحية والجانب وجمعه (أقطار)؛ و(قطران) الماء (تقاطره) قطرة قطرة و(القطران) ما يتقطر من الهناء (=القار) و(قطر) البعير طلاه (بالقطران) فهو (مقطور) أو (مقطرن). قال (تعالي): (سرابيلهم من قطران) (إبراهيم:50) أي من القار, وقرئ (من قطر آن) أي من نحاس منصهر قد أني (أي عظم) حره (أي زادت درجة حرارته) لأن (القطر) هو النحاس. وقال ربنا تبارك وتعالى: (إتوني أفرغ عليه قطرا) (الكهف:96) أي نحاسا منصهرا.
3. شواظ: (الشواظ) في العربية (بضم الشين وكسرها) اللهب الذي لا دخان له.
4. نحاس: الأصل في اللغة العربية أن النحاس هو اللهب بلا دخان, والنحاس أيضا عنصر فلزي لونه يميل إلي الحمرة (بين القرمزي والبرتقالي) قابل للطرق والسحب, موصل جيد لكل من الكهرباء والحرارة, ومقاوم للتآكل, وقد سمي بهذا الاسم لتشابه لونه مع لون النار بلا دخان.
قال (تعالي): (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) (الرحمن :35). و(النحس) ضد السعد, وقرئ في قوله تعالي: (في يوم نحس مستمر) (القمر: 19).
علي الصفة, والإضافة أكثر وأجود... في يوم نحس مستمر، ويقال: (نحس) الشيء فهو (نحس) وفيه جاء قول ربنا ـ تبارك وتعالى: (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات) (فصلت: 16) وقرئ (نحسات) بالفتح أي مشؤومات, أو شديدات البرد وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس أو كاللهب بلاد خان, فصار ذلك مثلا للشؤم.